
أسوار //
محمد صلاح الزبيدي
تعتبر مجالس المحافظات في العراق من المكونات الأساسية للنظام الإداري، إذ تم تأسيسها لتعزيز اللامركزية وتحقيق التنمية المحلية، لكن التجربة على أرض الواقع أثبتت أن هذه المجالس أصبحت عبئاً إضافياً على الدولة والمجتمع، مما يثير أسئلة جوهرية حول جدواها ودورها في تحسين حياة المواطن العراقي.
وتعرضت مجالس المحافظات منذ تشكيلها لانتقادات حادة بسبب الأداء المتواضع الذي طغت عليه المصالح الشخصية والحزبية.
وكان من المفترض أن تكون المجالس صوت الشعب في المحافظات، لكنها تحولت إلى كيان يستهلك ميزانيات ضخمة في رواتب الأعضاء ومخصصاتهم وحماياتهم، دون أن يقابل ذلك أي أثر ملموس على مستوى الخدمات العامة.
ويعاني المواطن العراقي من تدهور البنية التحتية وانهيار الخدمات الأساسية، ولم يرَ في هذه المجالس إلا مشهداً جديداً من مشاهد الترهل الإداري والفساد المؤسسي.
وأحد أبرز مظاهر العجز التي تشوب عمل مجالس المحافظات هو غياب الاستقلالية، وقرارات هذه المجالس في كثير من الأحيان ليست نتاج إرادة أعضائها، بل تُفرض عليها من الأحزاب السياسية التي تهيمن على المشهد.
وافرغت هذه الهيمنة المجالس من دورها الحقيقي، وحولتها إلى مجرد أدوات لتنفيذ أجندات حزبية لا علاقة لها بمصالح المواطن.
وتصريح النائب حسين عرب، عندما قال: “ما أحب أشتغل وياهم لأن المجلس قراره مصادر وما إلنا أي دور”، لم يكن إلا مرآة تعكس هذه الأزمة بوضوح.
والقت المحاصصة السياسية بظلالها الثقيلة على عمل المجالس، بدلاً من أن تكون معايير الكفاءة هي المقياس الوحيد في اختيار القيادات المحلية، حيث أصبحت الولاءات الحزبية هي المفتاح الذي يفتح أبواب المناصب.
ولم تقف هذه الممارسات عند حدود المشاريع الكبرى، بل تسربت حتى إلى أبسط التفاصيل، مثل تعيين مديري المدارس.
فكيف يمكن للمجتمع أن ينهض إذا كان مدير المدرسة، المسؤول عن تربية الأجيال، يتم تعيينه بناءً على الانتماء الحزبي بدلاً من الكفاءة والخبرة؟
أما في مجال المشاريع الاستثمارية، فالوضع لا يختلف كثيراً وأصبحت المجالس أداة لعرقلة المشاريع بدلاً من تسهيل تنفيذها، حيث يضع بعض الأعضاء العراقيل في طريق المستثمرين للحصول على عمولات أو لتحقيق مكاسب شخصية.
ولايضر هذا السلوك فقط بالاقتصاد المحلي، بل يحرم المحافظات من فرص تطوير البنية التحتية وخلق فرص عمل جديدة.
والمعضلة الأكبر تكمن في السؤال: إذا كان مجلس النواب نفسه، كجهة تشريعية عليا، يعاني من ضعف الإرادة والاستقلالية، فكيف يمكن لمجالس المحافظات أن تحقق التغيير المنشود؟ في الواقع، هذه المجالس أصبحت عبئاً إضافياً يُثقل كاهل الدولة دون أن تقدم شيئاً يبرر وجودها.
وبات المواطن العراقي يطالب بضرورة اتخاذ خطوات جريئة لإعادة النظر في دور مجالس المحافظات.
البعض يرى أن الحل يكمن في إصلاح شامل لهذه المجالس، يتمثل في تقليص نفقاتها، تعزيز استقلاليتها، وربط عملها بمعايير شفافة للمساءلة والمحاسبة، فيما يرى آخرون أن الحل الأمثل هو إلغاؤها بالكامل، وتحويل ميزانياتها إلى مشاريع تنموية تخدم المواطن بشكل مباشر.
وتعكس مجالس المحافظات في العراق، كما هي اليوم، صورة مصغرة للأزمات التي تعاني منها الدولة، إن لم يتم إصلاحها أو استبدالها بنظام أكثر كفاءة وفاعلية، فإنها ستبقى رمزاً آخر للهدر والفساد.