أسوار //
رشد الخيّون
كنا مقتنعين، أن تسمية «الحَشاشين»، جماعة حسَن الصَّباح(ت: 518 هجريَّة)، شوهت مِن قِبل الرَّحالين الأوروبيين، وفي مقدمتهم ماركو بولو(لويس، الحشاشون. الأمين، الإسماعيليون والمغول ونصير الدّين الطُّوسيّ)، وعلى أنهم يتخيلون الجنَّة تحت تأثير المخدر، يرونها مِن خلال الحدائق الغناء، المزروعة لهذه الغاية. ملتُ حينها إلى رأي المؤرخ حسن الأمين(ت: 2001) في «الإسماعيليون…»، مِن أنَّ الغربيين دسوا فرية تعاطي الجماعة «الحشيش»، للقيام بالاغتيال، بينما، حسب الأمين، اعتبر تسميتهم بـ«الحشاشين» نسبة لحشائش الأدوية.
لكنَّ بعد العمل في كتاب «صرعى العقائد المقتولون بسبب ديني قديماً وحديثاً»، وجدنا أنَّ جماعة عُرفت بـ«الحشيشية»، ينفذون الاغتيالات، والمؤرخ كان زيديّاً، قبل ماركو(1254-1323م)، قال: «قومٌ في تلك الدِّيار، يرمون نفوسهم على الملوك، فيقتلونهم ويُقتلون، ويرون ذلك دينيًّا»(ابن دَعثم، السّيرة الشَّريفة المنصوريَّة). تحدث المؤرخ ابن دعثم(ت: 615 هجريّة/1218م) عن أربعة أسرى مِن «النَّزاريّة».
كذلك كان الحشيش معروفاً، بدلالة التَّحريم، وفق «زَهر العريش في تحريم الحَشيش»، لبرهان الدِّين الزِّركشيّ(ت: 794هـ)، ووجود «الجُنينة تصغير جنة، من أخبث بقاع الأرض… تعرف ببيع الحشيشة، التي يبتلعها أراذل النَّاس، وقد فشت هذه الشَّجرة»(المقريزيّ، المواعظ والاعتبار).
حتَّى قيل الشِّعر في تناولها، مع التَّوصية بزراعتها، وتبنت ذلك جماعة دينيّة: «دع الخمر واشرب مِن مدامة حيدر/ معنبرة خضراء مثل الزَّبرجد»(المصدر نفسه). هذا الوقت غير البعيد عن القرن السَّادس الهجري، أي وجود النِّزاريَّة، وممارستهم للاغتيال. كان الحشيش يستخدم مكيفاً للدماغ، وقيل عنه «في الحشيش مِن الإسكار والإفساد»(الزَّركشي، زهر العريش).
لهذا أنَّ تسمية تلك الجماعة بالحشاشين، ليست نسبة للأدوية، إنما إلى المخدر، ولا هي اختلاق أوروبي. تجدر الإشارة إلى أنّ الحشاشين تخلوا عن الاغتيال بعد جمع العقيدة الدّينيَّة السّياسيَّة والمخدر في دافع الاغتيال، واتجهوا إلى الدّعوة، العام(608هـ)، حسب مؤرخ معاصر للحدث(ابن الأثير، الكامل في التّاريخ).
إنَّ ما مِن جماعةٍ دينيَّةٍ سياسية مسلحةٍ، تمارس الاغتيال دون فتوى، أو تحت مخدر العقيدة، أو المادة المكيفة، وأخطرها عندما تمارس بيد الدّين السّياسيّ، لأنَّ التّنفيذ يكون واجباً مقدساً، فكم حاول «الإخوان المسلمون» التنصل مِن اغتيال المستشار أحمد الخازندار(1948)، حتى فضح الأمر أحد أقطابهم عبد العزيز كامل(ت: 1991)، في بحث القضية مع حسن البنا(اغتيل: 1949)، ومدبر الاغتيال عبد الرحمن السّنديّ(ت: 1962)، والسؤال: «مَن يتحمل دم الخازندار»؟ قال السّنديّ: «عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص مِن الخازندار، فرغبته في الخلاص منه»(كامل، في نهر الحياة)، ورغبة «الإمام» يعني فتوى، والبنا لدى الإخوان «الأستاذ» و«الإمام».
لم يُقتل فرج فودة(1992) إلا بفتوى، أيد تنفيذها في المحكمة الإخواني محمَّد الغزاليّ(ت: 1996)، وعندما قَدم شابٌ متطرف وغرز سكينه في عنق نجيب محفوظ(1995) كان بفتوى، فهو لم يقرأ كتاباً له، كان المنفذ مخدراً بالفتوى.
لم تغتل القزى الدّينيَّة أحداً داخل العراق، إلا بفتوى، وبينهم الثمانمئة شاب أصحاب شعار «نريد وطناً»(2019)، فالجماعات التي تنفذ متدينة بطاعة أوليائها، لا تتحرك إلا بفتاوى «جهاديّة»، ومَن يطلع على «دليل المجاهد»(1993) سيجد(213) فتوى، بينها قتل نساء، وأطفال، وتفجير قطارات، وسرقة بنوك، وتزوير عملة، وما قتلت جماعة الزّرقاوي ولا البغدادي، مِن العراقيين، إلا بفتاوى مِن قضاتهما. هذا، وخلال عملي في «صرعى العقائد…» ظهر وراء كلّ قتيل فتوى تُشرع قتله، والمنفذون مخدرون بطاعة المفتين.
أقول: إنَّ منفذ الاغتيال، لابد أنه وقع تحت تأثير مخدر: عقيدةٍ، أو فتوى، أو حشيش، مارست الاغتيال، عبر التّاريخ، سُلطات وجماعات، وكان يُعرف بـ«البيات»، ومِن عجبٍ أنَّ فصيلاً خارجيّاً قد حَرمه، قبل تخلي الحشاشين بقرون، وهم «الأخنسيَّة»، أتباع أخنس بن قيس، «حرموا الاغتيال والقتل والسَّرقة بالسِّر»(الشّهرستانيّ، الملل والنّحل).