
أسوار // رصد: دائماً تترافق كلمة”مليونية”.مع كل نشاط يستبطن عقدة صعبة تنبض تحت ضرس كل قيادة لم تفهم أن الديمقراطية تجعلها”جزءاً”من مجموع، بينما يفهمونها على أنها “علبة صبغ” يمكن أن تصبغ كل شيء فيغدو بلونهم المفضل.
والحقيقة ان الديمقراطية لا تحتاج الى مليونيات. لنتذكر أن تاريخ الولايات المتحدة لم يشهد خلال 200 سنة تظاهرات رافضة مثل التي خرجت قبل حرب 2003 واسقاط صدام ضد بوش. مالذي حصل بعدها؟..ذهب بوش ومضى حتى انه نال ولاية ثانية، ونسي العالم بأسره تلك التظاهرات ومطالبها بوقف الغزو الذي وقع فعلاً بعد ذلك.
النشوة السوشيالية الصدرية(ومعها الشامتون الفيسبوكيون)بالأعداد التي حضرت للصلاة…..هذه لن تغير شيئاً، …كل الذين صوتوا لهم كانوا 800 الف …في عموم العراق، وأي انتخابات مبكرة ستذهب بالمزيد من اصوات الشيعة (حتى التشرينيين) الى الجبهة التي تصدّت بقوة للصدريين. لأنه في علم الستراتيج السياسي، فإن الأقوى هو من يستطيع أن يمنع الآخر، من يتمكن من تعطيل الآخر، وليس الأعلى صوتا ولا الأكثر في علاقاته. نعم لديكم مئات الآلاف من الذين يطيعون فيحضرون الى الصلاة. لكنهم لن يتمكنوا من إقناع باقي الشيعة(80%من المجتمع الشيعي العراقي على الأقل)بأن المستقبل يكمُن في قيادة مقتدى للمشهد العراقي.
الشارع لا يعني الديمقراطية. الشارع(في العراق) بالعادة يتحكم به (الشارعيون)، ولا أعني الإساءة إنما أعني الذين يتمكنون في العادة من فرض أصواتهم في الشارع.
لنعد قليلاً الى خيام تشرين التي بقيت منصوبة الى غاية تاريخ متأخر من عام 2020، وفيها بضعة عشرات من القبضايات(المُتظاهرين المُزمنين)، كانت الخيام منقامة طالما كان هناك إعلام يحميها. وحين انسحب الإعلام، زالت الخيام. وفي كلا الحالتين، الامر لا علاقة له بالتعبير عن رأي الملايين من الذين يحق لهم التصويت. وفي تصوري أن هؤلاء قالوا كلمتهم عبر مقاطعة بلغت نسبتها أكثر من 70%، أما(الشارعيون) فقد اكتشفنا حجم عقولهم وأطاريحهم بالصوت والصورة.
أنا شخصيا كنت لا اعتقد بقوة جبهة المالكي الى هذا الحد، والحقيقة اليوم أنه بالتحالف مع ” الخزعلي ” تمكن من تعطيب أكبر جرافة سياسية يشهدها العراق بعد 2003. حتى نظرية إبقاء الوضع على ما هو عليه(باعتبار أن الصدر مسيطر على الحكومة وما خسران من التعطيل) أثبتت فشلها، لأنها ستكشف من هو الطرف القادر على تعطيل الآخر. …الناس أيضا يراقبون المشهد، وباتوا يفهمون أكثر من أي وقت مضى النتيجة التي أفاضت لها تشرين والإنتخابات( الملصّقة بلاصق أميري).
لو كانت الانتخابات قد جرت خلال السنة الأولى من ولاية الكاظمي، كان التشارنة سيحققون فوزاً اكبر، والصدريين كذلك. لكن أعود الى نظرية جوهر القوّة المعطلة. من يستطيع التعطيل هو الأقوى. وهو الذي يجب أن يُحسب حسابه ويجري التفاهم معه. التسريب الذي خرج عن المالكي، أظن انه حمل رسالة واضحة المعالم الى مقتدى الصدر، وراهن المالكي أن ما سيقع في نفوس غير الصدريين من محتوى التسجيل سيجعل الناس تتلاهى عن نفيه الرسمي، وسيركزو على محتوى التسجيل نفسه، وهو محتوى أجزم انه رفع من شعبية المالكي وجبهته. انتهت الصلاة، وبقيت المشكلة، وبقيت معها تمنيات الصدر بأن الأخوة كان عليهم أن يمنعوه من الإنسحاب، وأن يتوسلوا عودته، وهذا ما لم يحصل، لأن الطرف المقابل قرأ صحيحاً رغبة ناخبيه وحتى رغبة الناخبين المُقاطعين.
ببساطة لا أحد يريد أن يركب في مركب يُمسك شراعه الصدر والصدريين. لا أحد سوى الصدريين الذين هم أسرع جماعة تنفض القيادات فيها عن قائدها. مثلما استأذن السنّة والكرد وانسحبوا منه قبل ان ينسحب من البرلمان بموظفيه الـ74. بمحبّة أقول: عملية قسر الناس على إله ندبّج له الالقاب الحسنى قبل التلفظ باسمه، ولا أحد يعرف ما سيقرر ولا ما يفكر فيه،هي عملية خاسرة. وكل صلاة وأنتم بخير.