
أسوار //
قاسم العجرش
في طفولتي؛ يوم كان لدينا قليل من الرغيف والمال، وكثير من الإيمان، كانت في بيوتنا تعلق صورة تخيلية له، وهو واقف خلف أسد رابض بين قدميه، وسيف ذو الفقار في يده..كنت أمضي أيامًا وأيام؛ أنظر الى عينه وأتخيله ينظر ألي، وأنقل ذلك لأمي؛ فتقول لي صدقت “فعينه تبرا لك”، اي عينه تحنو عليك، وأسعد كثيرا بقولها…
هذه الصورة ليست نتاج العقلية الشيعية، فقد رايتها في سنوات العمل الجهادي، ضد نظام القمع الصدامي، في بيوت فلاحي كوردستان، في آغ داغ وقره داغ وكَرميان..
ويوم يفعت وكبرت قليلا، كنت مريضا كما اليوم؛ في إحدى نوبات مرضي، كانت الحمى تفترسني وكنت أهذي، قيل لي أنك كنت تقول؛ علي ..علي.. علي.. علي..هذا الدمع لك ياعلي، فاشفع لي علني أشفى من الحمى..
آه ؛ تذكرت متى أول مرة سمعت مفردة “علي”، لقد كانت في اللحظة؛ التي رأيت فيها الضوء للمرة الأولى، فقد كانت أمي تصيح؛ علي..علي ..علي..مع كل طلقة من الطلقات التي كانت تطلقها بي..ومن يومها لم تفارقني المفردة..صرت جزءا منها، وصارت طريقا لي كما هي لغيري..وهم بمئآت الملايين وربما أكثر..
وحينما كبرت وداهمني مرضي الخبيث؛ الذي أنا فيه اليوم..وحملتني غربتني ولم أحملها، بحثا عن علاج في بلاد أخرى غير بلادي، حملت المفردة الأسم البلسم معي، ويومها ظننت أن المفردة أغتربت معي، ولكنني وجدتها أينما أذهب في البلد الآخر..في المطار كان قوميسير الحدود أسمه علي.. وسائق السيارة التي اقلتني الى الفندق أسمه كان علي!.. وأينما أذهب أقرأ بالأوردية التي تكتب بحروف عربية، مفردات مثل علي.. سيف علي .. ذو الفقار..علي باغ..علي باش…علي شاه..وتخيلت أني أسمع جوقات العصافير، التي تغطي سماء مدينة مومباي الهندية كغيمة، يردد الليل صدى زقزقاتها بين ترتيلة … وترنيمة.. علي..علي!
بين هذا البلد وبيت “علي” سبعة آلاف كيلومتر! وحينما طال أمد علاجي؛ عدت لوطني، الى الأرض التي تتسع للطلبات الخافتة والنذورات البكائيّة. ولم يكن يسعها إلا بيت”علي”، فهناك يجاب من يدّق الباب المسكون بقفله، الساكت بحاله، فيجيبه من يرتعش ذكره على حافّة القلب، لمرة واحدة فقط لا غير..
قال سيد الغر المحجلين كُن حلو الصّبر عند مرّ الأمر . ومن اقتنع بالكفاف أداه الى العفاف، ومفتاح الخير التبرّي من الشّر ومن بذل ماله استرقّ الرقاب !
كلام قبل السلام: اكملت علاجي في طهران، وكان العلاج الكيمياوي مدمرا، لو صب على جبل لقال “أخ”..أخذني رفيقي في رحلتي العلاجية الشهيد سيد صالح البخاتي {رض} الى بيت السيد ، أن أسم السيد أيضا”علي”، نعم علي الخامنائي، نزع البسيجية عن رقبتي وطوق رقبتي بها..واعطاني خاتما هو هذا الذي البسه دائما، ومسحت وجهي بالبسيجية وقبلت الخاتم..وشفيت من المرض الخبيث..
سلام على علي..